السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
دموع من نور
كان يسير في الحواري ليلا , فتراه عابثا هنا لاهيا , لا تأخذه همة للصلاة و لا عشق لكتاب الله , فترجّل لحظة لفتاة أعجبته , قال في نفسه " نظرة من بعيد ", فاقترب ببطئ , أراد أن يختلس حرمة الطاهرة , فأراه الله آية من آياته الكبرى ..
سمع صوتا تملؤه الدموع , فطاب قلبه قليلا و اقترب لينصت , فإذا بالصوت قائلا في جوف الليل البهيم : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } .. فإذا به ينهار على الأرض و الرعب يتسلل ليستقر في رواسيه , فشعر بثقل عظيم يمتلئ نواحي جسده المبتل بمعصية الله .. فعاد أدراجه يرتدي لباس الخوف و العجب .
دخل البيت في سكات , أقفل باب غرفته دون أن يكلم أحدا , فتعجب منه الأهل , و أرادوا كلامه و لكن لا جدوى , فاختلى بنفسه يفكر للحظات , أراد أن يشعل سيجارة , فتذكر الآية الكريمة , فتخبطت نفسه ما بين معصية و توبة , كلما أراد الهمة تخذله نفسه , فرمى بنفسه في زاوية و انهمرت الدموع ..
و أمام كل دمعة كان يفكر لماذا ؟
ثم يعاود التخبّط ما بين أمرين متناقضين , رفع رأسه المبتلّ بالندم , ثم أحناه يمينا فيسارا , يضرب الأرض بيديه بحسرة , و يرمي مساحة من الأمل أتيحت للعابثين , ثم يأتيه بشير بعد طول البكاء .. " الله أكبر" .. فأنصت بخشوع ما عرفه قبلا .. ثم عاوده " الله أكبر " .. فقام الى النافذة لينصت .. فعاود المنادي بالشهادتين .. إنه صوت الأذان لصلاة الفجر .
فأعد السلاح , و جهّز النفس للمعركة الكبرى , لا سلاح اليوم الا اليقين , و لا يقين الا بالله , فيمتلئ القلب بالإيمان وسط الهجمات المانعة من شهواته و عدوّ الله اللعين .. فتوجه الى الماء ليجلي الذنوب مع كل قطرة , فاغتسل و جالس القرآن لحين , ثم قام للصلاة , فقال الله أكبر و ابتدأ ..
و في حين ابتدائه عاد ليبحر في آفاق ذكرياته , كم مضى ظالما , و كم سعى جاحدا , و كم رمى ليصطاد الذل من بين بساتين الكرامة , تفكّر في ذاته المنسية , تفكر في كل لحظة مرت عليه و هو في ركب السائحين وراء الفناء , فقال في نفسه : " أين كل ذلك ؟ " ..
و ابتدأ و انهارت الدموع بلا اذن و لا ميعاد , فالظلمة تؤنس وحشته , و الخلوة تأخذه بين طياتها الى حنين لطالما افتقده الكثيرين , و أقام صلاته , و ترجّل داعيا المولى الرحمة و المغفرة , فأنارت دموعه سبل النجاة , مع كل قطرة يرى أملا ينبض بنور ساطع , تراها تحدّث العالمين قصصا لا قبل لها ..
فقام الى فراشه بهمة تعلوها كلمات التائبين , فسأل الله الثبات و ارتقى وسادته آملا المغفرة من رب رحيم , فبدأ يحيك ثياب التوبة و يرويها دموع الندم لتبقى رمزا لثباته ..
دمعة من فقير لله في جنح الليل تتلوا كتاب الله , قياما في الليل و الدموع تروي وحدته , كانت نورا لثبات من تاهت قلوبهم بين أهواء الدنيا .. فمن لها ؟؟
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته